منوعات عجيبة حول العدد 40
هذا العنوان يطلق علي عدّة مؤلّفات صَنّفها العلماء في الحديث وغيره، علي اختلاف مقاصدهم وأغراضهم في تصنيفها وجمعها وترتيبها، فمنهم: من ذكر فيها أحاديث التوحيد وإثبات الصفات، ومنهم: من خصّها بأحاديث الاحكام، ومنهم: من اقتصر علي المواعظ والرقائق، ومنهم: من قصد جمع ما هو عالي السند، إلي غير ذلك، وسمّي كل واحد منهم كتابه بـ:«كتاب الاربعين».
والاصل في ذلك كلّه ما ورد في الحديث الشريف : «من حفظ علي اُمّتي أربعين حديثاً ممّا يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه اللّه عزّوجل يوم القيامة فقيهاعالماً» .
وهذا الحديث روي عن جمعٍ من الصحابة، منهم : أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعبد اللّه بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وأبو سعيد، وعبد اللّه بن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وغيرهم.
وقد كثر التأليف في الاربعين إلي حدّ يتعذّر إحصاؤه ، وإن انبري جمع من أعلام الاُمّة إلي محاولة محدودة في ذلك، فقد عدّ العلامة الطهراني ما وصل إليه من مؤلّفات الاءمامية في الاربعين، فبلغت ستاً وثمانين كتاباً .
وأحصي الكاتب الچلبي عدد ما ألّفه أهل السنة في هذا الموضوع فبلغ تسعاً وخمسين كتابا ورسالة ، وألحق بها في ذيل كشف الظنون خمساً وعشرين رسالة .
وأورد العلامة الدهسرخي في كتابه «إيضاح الطريقة إلي تصانيف أهل السنة والشيعة» قائمة بأسماء ما وقف عليها من كتب الاربعين خلال الكتب الثلاثة المتقدمة فبلغت مئة أربع وتسعين كتاباً ورسالة .
وخصص الشيخ الرفاعي في كتابه «معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت (عليهم السلام)» صفحات لهذا العنوان، فاستغرق تعداد كتب الاربعين صفحات كثيرة من كتابه .
تطوّر رواية الاربعين حديثاً :
مرّت رواية الاربعين حديثاً بتطوّرات عديدة، تدخّلت فيها اُمور ، منها: حاجة الاُمّة المتغيّرة، والمستوي' الثقافي للناقل والمنقول اليه، وأهميّة الموضوع أو المواضيع في نظر الناقل أو المنقول اليه ، وغير ذلك.
وأول من نبّه الي وجود حديث واحد يشتمل علي أربعين أمراً هامّاً من امور المسلمين رواه الخاصة والعامّة بطرقهم عن الرسول الكريم (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فيها المجالات اللازم تذاكرها بين الاُمّة، وهي : العقائد، والعبادات، والسياسات (أدب المعاشرة) هو سماحة العلامة السيد محمد حسين الجلالي. وقد تناول متن الحديث وشرحه بكتاب كبير باسم: «شرح الاربعين النبويّة » طبع مرات عديدة في قم وبيروت ، وانبري بعض العلماء إلي تطوير الفكرة وكتابة أحاديث مستقلّة في المواضيع التي أشار إليها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في حديثه «الاربعون حديثاً»، فصار أربعون حديثاً مستقلاًّ يتكفّل الاهداف المتوخّاة من حديث الاربعين.
ثم طرأ تقدّم آخر في عرض الاحاديث المذكورة، وهو أنّه حاول بعض العلماء تخصيص كلّ فقرة من فقرات الاربعين النبوية بذكر أربعين حديثاً في موضوعه، فظهرت مؤلّفات باسم الاربعين تناولت مواضيع خاصة، وذلك مثل «الاربعون الاُصول» «والاربعون الاله'يّات» و«الاربعون في التوحيد» و«الاربعون في العدل» و«الاربعون المسمّاة بالدّرة المضيئة في الصلاة علي خير البريّة» و«الاربعون حديثاً في المهدي» ، وغيرها.
أو اختصت بأحاديث صحابي واحد، مثل «الاربعون حديثاً رواية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب» ، أو في فضل صحابي خاص مثل «الاربعون في مناقب فاطمة الزهراء 3 » ، أو جمع في كتابه ما يرتبط بكيفيّة الرواية، مثل «الاربعون المسلسلة» ، و«الاربعون المسلسلة بالمحمدين» إلي غير ذلك من أنواع كتب الاربعين.
ثم أنبري بعضهم إلي إضافة خصوصيّات أكثر علي مرويّات الاربعين، فخصّ الرواية لكل حديث من طريق واحد ، فألّف في عنوان: الاربعين عن الاربعين، فـصار : «أربعون حديثا عن أربعين طريقاً» ، وأقدم ما وصل إلينا بهذه الخصوصية هو كتاب الشيخ ابي محمد عبدالرحمن بن أحمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري الخزاعي (المتوفي بعد سنة 476 ه) من تلامذة الشيخ الطوسي (المتوفي سنة 460 ه) من أهل «ري» ومن أعلم الناس بالحديث وأبصرهم برجاله، وقيل : إنّه كان في مجلسه أكثر من ثلاثة آلاف محبرة، وكان يحفظ مئة ألف حديث ، فقد ألّف كتاب : «الاربعين عن الاربعين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)» وهو أربعون حديثاً عن أربعين شيخاً من مشايخه .
وبمراجعة الفهارس والاثبات وقفنا علي مؤلّفات عديدة من هذا النوع، ورد أسماء بعضها في معجم ما كتب عن الرسول وأهل بيته ج 12 ص 500 ـ 502. بالارقام 12169 و12170 و25890 ـ 25897.
ثم حصل تطوّر آخر انطلاقاً من هذا الكتاب بالذات، حيث إنّ الشيخ منتجب الدين الرازي حضر مجلس أبي القاسم يحيي بن محمد بن علي بن محمد بن المطهر الارقط ـ من أحفاد الاءمام زين العابدين (عليه السلام) ـ فعرض عليه كتاب الخزاعي النيسابوري، فعزم الشيخ منتجب الدين علي تطوير ذلك في كتاب سمّاهُ : «الاربعين عن الاربعين من الاربعين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)» وهو أربعون حديثا عن أربعين شيخاً من طريق أربعين صحابياً .
وممّن حذي حذوه في هذا المجال الشيخ أبو الفتح محمد بن أبي جعفر محمد بن علي بن محمد الطائي الهمداني (المتوفي سنة 555 ه)، في كتابه «الاربعون الطائيّة» ، وأبو الربيع سليمان بن موسي بن سالم بن حسّان الحميري الكلاعي الاندلسي (المتوفي سنة 634 ه) وغيرهما .