ويؤكد الباحثون في معهد الحساب العصبي إن أي عاطفة أو إحساس يمر بها الإنسان تولد تغيرات في وجهه ولكنها تمر سريعاً بحيث تصعب ملاحظتها؛ ولذلك فقد طور هؤلاء الباحثون برنامج كمبيوتر يحلل تغيرات الوجه بسرعة مذهلة ويرصد أي تغيرات مهما كانت صغيرة.
ويقولون إن التعابير التي تظهر على الوجه في حالة الكذب تختلف عن تلك التعابير التي تظهر في حالة الغضب، وتلك التي تظهر في حالة الإحساس بالذنب وهكذا.
والنتيجة التي نصل إليها أن الأحاسيس التي يمر بها الإنسان تظهر على وجهه، ولذلك قال تعالى في حق أولئك الملحدين الذين ينكرون القرآن:
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) [الحج: 72].
فقد ربط القرآن بين تعابير الوجه وبين ما يدور في دماغ هؤلاء من أحاسيس ومشاعر تجاه القرآن.
ويقول العلماء إن أي تصرف لدى تكراره بكثرة فإنه يترك آثاره الواضحة على الوجه بالدرجة الأولى حتى يصبح جزءاً من تعابير الوجه، ولذلك قال تعالى في حق المؤمنين الذين يكثرون من السجود:
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح: 29].
وكذلك فإن هؤلاء المؤمنين يتميزون بوجوههم النضرة يوم القيامة نتيجة صدقهم:
(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين: 22-24].
أما المنافقون الذين يظنون بأنهم يخدعون المؤمنين في الدنيا ويخفون ذلك فإن هذه الوجوه لا تخفى على الله تعالى، ولذلك صور لنا القرآن عذاب هؤلاء وأن وجوههم التي حاولوا إخفاء النفاق من خلالها سوف تقلب في النار:
(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) [الأحزاب: 66].
ولذلك فإن هذه الوجوه التي كذبت في الدنيا تُحشر سوداء يوم القيامة من آثار الكذب، يقول تعالى:
(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر: 60].
وفي تجربة جديدة أيضاً وجد العلماء أن هناك تغيرات تحدث
للصوت أثناء الكذب! ومعظم الناس لا يلاحظون هذه التغيرات ولكن بعض العلماء صمموا برنامج كمبيوتر لتحليل الترددات الصوتية ، ولاحظوا بأن الإنسان بمجرد أن يبدأ بالكذب فإن انحناء بسيطاً يحدث في المنحنى البياني الخاص بصوته ، وهذا ما أخبر الله به حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم عن أولئك المنافقين الذي يقولون عكس ما في قلوبهم:
(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 30].
ففي هذه الآية أكد المولى تبارك وتعالى أن النفاق والكذب يظهران على وجه صاحبهما
(فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) أي بالتعابير المرسومة على وجوههم، وأن هذا الكذب يظهر في قولهم وفي صوتهم:
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)، ولحن القول هي تلك النغمة الخفيفة التي تظهر على الصوت أثناء الحديث، ومن ذلك الألحان واللحن أي التصنع في الصوت.
وهذه معجزة تشهد على صدق هذا القرآن لأنه أخبرنا عن حقيقة طبية لم تنكشف أمامنا إلا في القرن الحادي والعشرين، فقد أخبرنا عن علاقة الكذب
بالوجه وعلاقة الكذب بالصوت، وهو ما أثبته العلماء يقيناً اليوم.
اللهم اجعلنا من الصادقين في الدنيا والآخرة ومن الذين يسلمون وجوههم لله تعالى فهو المتصرف في هذه الوجوه، وهو الذي يوجهها كيف يشاء:
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [لقمان: 22].